bassant عضو ذهبي
المساهمات : 1520 تاريخ التسجيل : 11/12/2008 العمر : 36
| موضوع: الإغريق يحضرون معهم آلهتهم ومذاهبهم الجمعة فبراير 13, 2009 9:35 pm | |
| وعندما أسس الإغريق مدينة نقراطيس قبل الفتح المقدوني ، أحضروا معهم آلهتهم ومذاهبهم الإغريقية ، وشيدوا هناك عددًا من المعابد الإغريقية ، فإنه عندما كان يتوافر عدد كاف من الإغريق الوافدين من بلد معين ، كانوا يشيدون معبدًا للإله الخاص بمدينتهم ، ولذلك شيد أهل ساموس معبدًا لهيرا وأهل مليتوس معبدًا لأبولو ، وأهل إيجينا معبدًا لزبوس . وإذا كان الأفراد القادمون من مدينة ما قليلين أو رقيقي الحال بحيث لا يمكنهم الإنفاق على معبد خاص بهم، فإنهم كانوا يتعبدون إلى إلههم الخاص في أحد المعابد الإغريقية الموجودة، ويقدمون هناك القرابين لإلههم الحامي .
وعند وفود الإغريق على مصر بعد الفتح المقدوني ، أحضروا معهم آلهتهم ومذاهبهم الدينية . ولما كان الإغريق ينزلون إما في المدن الإغريقية الثلاث: الإسكندرية ونقراطيس وبطوليميس ، أو في أنحاء مصر الأخرى ، حيث كانوا يكونون جاليات خاصة بهم، فإنه كان طبيعيًا أن يستمر الإغريق في عبادة آلهتهم وإقامة شعائر مذاهبهم كما كان طبيعياً أن تكون المدن الإغريقية أهم مراكز العبادة الإغريقية .
لكن يأخذنا العجب حقًا من أن الحفائر لم تكشف حتى الآن في وادي النيل كله إلا عن معبد إغريقي واحد في الآسمونين وهو معبد دوري الطراز من عهد بطلميوس الثالث وإن كان ذكر المعابد الإغريقية يتردد كثيرًا في المصادر القديمة. ويستخلص منها أن هذه المعابد لم توجد في المدن الإغريقية فحسب بل خارجها أيضاً ، إذ أن هذه المصادر تذكر معابد زيوس وأسكلبيوس وديمتر وهرقل وبان وكرونوس في الإسكندرية ، ومعابد أبولو وزيوس وهفايستوس في منف ، ومعبدي زيوس في القوصية ، وكركيوسيريس ومعابد زيوس، وديونيسوس وأسكلبيوس في بطوليميس ، ومعابد زيوس اليوسينيوس (Eleusinios) ودميتر وكورا وديوسكوري ، وبان وتوخى في كروكودياون بوليس ، ومعبد ديمتر في كارانيس ومعبد إغريقي في ليكوبوليس .
ويبدو إذن أنه في عهد البطالمة كلما كان يعيش سويًا عدد كاف من الإغريق، كانوا يفعلون ما فعله إغريق نقراطيس من قبل، أي أنهم كانوا يشيدون معبدًا أو هيكلاً صغيرًا لأحد الآلهة التي اعتادوا عبادتها في بلادهم الأصلية، مثل زيوس أو أبولو أو ديونيسوس أو هيرا أو افرودبتي أو ديمتر. وفيما يخص عبادة أكبر الآلهة والآليات الإغريقية في مصر لوحظ أن الأدلة على عبادة زيونيسوس وفيرة، وأن الأدلة الخاصة بعبادة هيرا وافرودبتي وارتميس قليلة، وأن ديمتر تنفرد بين سائر الآلهات بوفرة الأدلة على عبادتها. وقد وجدت مذابح (Bomoi) كثيرة في بيوت الفيوم، من القرن الثالث قبل الميلاد، فقد درج الإغريق منذ عهد بعيد على استخدام مذابح خاصة كانوا يقيمونها بجوار بيوتهم.
ولا يوجد دليل على أن البطالمة ناهضوا أي مذهب من مذاهب الإغريق، بل إنهم على العكس شجعوا المذاهب الإغريقية المختلفة، ولم يشمل تشجيعهم المذاهب الرئيسية في بلاد الإغريق الأصلية فحسب، بل شمل كذلك مذاهب الآلهة الإغريقية المعروفة بين إغريق آسيا، مثل الإله الفينيقي أدونيس والإلهين الفريجيين أجديستيس (Agdistis) وبربابوس (Priapos). ويرى بعد المرخين أن عبادة إغريق مصر الحقيقية في عهد البطالمة كانت، إلى حد، عبادة آلهة مدنهم التي أتوا منها، وإلى حد أكبر، عبادة المذاهب ذات الأسرار التي كانت معروفة في بلاد الإغريق وبين إغريق آسيا، وانتشرت إذ ذاك في كل أنحاء العالم الإغريقي، مثل مذهب ديمتر ومذهب ديونيسوس تزاجريوس (Zagros) ومذهب أدونيس.
وتشير القرائن إلى أن إغريق مصر سواء كانوا يقيمون في الإسكندرية. نقراطيس، بطوليميس أم في الفيوم أم في أقصى الجنوب في الفنتين، قد استمسكوا بعبادة الآلهة الإغريقية زيوس، أبولو، ديونيسوس، ديمتر وغيرها. وقد نشر منذ عهد قريب نقش من عهد بطلميوس الخامس يسجل إهداء معبد وسياج مقدس وتماثيل للإله بوسيدون هيبيوس. ولهذا الإهداء دلالة كبيرة فهو يدل على أنه في أوائل القرن الثاني قبل الميلاد كان إغريق مصر لا يزالون يستمسكون بمذاهبهم الإغريقية الخالصة، كما يدل على أنه من المجازفة أن نستخلص من صمت مصادرنا عن بعض الآلهة أن هذا الإله أو ذاك قد فقد مكانته، إذ أنه حتى نشر هذا النقش لم يكن قد ورد أي ذكر للإله يوسيدون في النقوش البطلمية، ولم يذكر في باقي المصادر البطلمية إلا إلمامًا.
وإذا كان أوتو يرجح أن المدن الإغريقية هي التي كانت تتولى الإشراف على كافة شئون العبادة، كل منها في دائرتها، فإننا نرجح أيضاً أن ذلك كان من اختصاص الجاليات الإغريقية خارج تلك المدن. وتوجد كذلك قرائن على مساهمة الأفراد في المنشآت الدينية، كتشييد معبد أو إصلاحه وزخرفته. وعلى الرغم من افتقارنا إلى الأدلة التي تثبت إلى أي حد أسهم البطالمة في المنشآت الدينية الإغريقية، فلا شك عندنا في أنه كان للبطالمة الأوائل على الأقل قسط كبير في ذلك، تمشيًا مع سياستهم التي أشرنا إليها آنفًا، لكننا نرجح أن منشآتهم للآلهة الإغريقية لم تكن بالكثرة التي قد تتبادر إلى الذهن. ويجب ألا يتخذ ذلك قرينة على إهمال البطالمة شئون العبادة الإغريقية. وإن كان يمكن اتخاذه دليلاً على أن رائد البطالمة في سياستهم الدينية كان قبل كل شيء دعم أركان دولتهم، لأن انصراف البطالمة عن الاهتمام بكثرة المنشآت الدينية الإريقية يرجع في نظرنا إلى اهتمامهم بعبادتين آخرين وهما: عبادة البطالمة أنفسهم، وعبادة سيرايس، هاتان العبادتان اللتان أنشأهما البطالمة لتحقيق أغراضهم السياسية. | |
|