bassant عضو ذهبي
المساهمات : 1520 تاريخ التسجيل : 11/12/2008 العمر : 36
| موضوع: البطالمة وديانة الإغريق الأربعاء فبراير 18, 2009 9:55 pm | |
| الاعتراف بالديانة الإغريقية ديانة رسمية:
كان البطالمة مقدونيين إلا أن مثلهم مثل سائر المقدونيين كانوا إغريقيًا في كل نواحي حياتهم، لأنه حتى قبل عصر الإسكندر، إذا كان للمقدونيين أي قسط من التعليم، فإن ذلك التعليم كان إغريقيًا .
وكانت ديانتهم كذلك إغريقية، كما كانت أسماؤهم إلى حد كبير إغريقية، بل كانت أسرتهم المالكة تزعم أنها تنحدر من سلالة الآلهة الإغريقية. وجملة القول أن البطالمة كانوا إغريقاً في ثقافتهم وديانتهم. وقد أدعوا هم أيضًا بأنهم من سلالة الآلهة الإغريقية ، ينحدرون من ناحية الجد عن هرقل بن زبوس ومن ناحية الجدة عن ديونيسوس بن زيوس . ومعنى ذلك أنه إذا لم يكن هناك باعث آخر على إظهار احترامهم للديانة الإغريقية، والاعتراف بها ديانة رسمية في دولتهم، إلى جانب الديانة المصرية، غير شعورهم الديني وأصلهم السماري الإغريقي لكان ذلك كافيًا .
لكنه كان يوجد باعث آخر سياسي، فقد عرفنا كيف أن البطالمة الأوائل كانوا يتطلعون إلى لعب الدور الأول في عام بحر إيجة، الذي كان يعج الإغريق، وكيف أن أولئك البطالمة كانوا في حاجة ملحة إلى الإغريق لتحقيق مشروعاتهم الخارجية والداخلية. ولذلك كان لزامًا عليهم أن يظهروا أمام الإغريق قاطبة في ثوب حماة الحضارة الإغريقية وأن يثبتوا أجلالهم لديانة الإغريق.
إنشاء علاقات مع مراكز العبادة في العالم الإغريقي:
وينهض دليلاً على ذلك اهتمامهم بإنشاء علاقات قوية بينهم وبين أشهر مراكز العبادة في بلاد الإغريق وهو ما يمكن تبينه من القرابين التي كانوا يقدمونها إلى المعابد الإغريقية ومن المبعوث الرسمية التي كانوا يوفدونها للاشتراك في الحفلات الدينية، وحسبنا أن نشير هنا إلى علاقات البطالمة الأوائل مع أكبر المعابد في بلاد الإغريق. ويبدو أن هؤلاء الملوك وجهوا عناية كبيرة إلى دياوس حيث حرصوا جميعًا على تقديم القرابين في معابدها، وحيث أنشأ فيلادلفوس في عام 279 حفلاً سنويًا يدعى بطوليمايا، عرفنا أنه أبطل عندما فقد هذا الملك سيادة جزر الكيكلاد في عام 253، لكن فيلادلفوس أعاد هذا الحفل في عام 249، بعد أن استرد ثانية سيادة الجزر. وقد اهتم بطلميوس الثالث بإحياء هذا الحفل في عام 236. ولم تقتصر علاقات البطالمة الأوائل على دياوس، إذ وجدت تماثيل بطلميوس الأول والثاني وأرسينوي الثانية في أثينا وفي أوليمبيا، وتماثيل بطلميوس الثاني في دلفي. وتمثال لأرسينوي الثانية في هليكون (Belicon) بيوتيا. وتشير المصادر القديمة إلى بطلميوس الأول قدم القرابين في طيبة بيوتيا وفي دلفي حيث فاز في سياق العجلات، وكذلك فازت بيليتيخي (Bilistiche) حظة فيلادلفوس في سباق العجلات في أوليمبيا. وقد أقام فيلادلفوس هيكلاً وتمثايل لأبويه في دودونا، وأحيا بسخاء هو وأرسينوي حفلاً دينيًا في ثسبي (Thespiae).
إنشاء حفلات دينية إغريقية:
ونستدل كذلك على اهتمام البطالمة بالمحافظة على مظاهر العبادة الإغريقية من الحفلات الدينية، التي أنشاؤها علىنمط الحفلا الدينية الأوليمبية أو لآثينية الجامعة (Panathenian)، وكان يحج إليها السفراء والمتبارون من كافة أنحاء العالم الإغريقي. ويعطينا ثيوكريتوس صورة حية لاحتفاء الإسكندرية بإقامة حفل أدونيس (Adonis) الذي أنشأه فيلادلفوس إجلالاً لأرسينوي الثانية. وتحدثنا الوثائق البردية عن حفل أرسينوي ويبدو أنه كان حفلاً خاصًا بمديرية الفيوم التي نعرف أنها سميت مديرية أرسينوي، لكنه كان حفلاً مهمًا بدليل ذهاب وزير المالية إلى الفيوم لحضوره. ويبدو أيضًا أن هذا الحفل كان يقام سنويًا في موعد قريب من الذكرى السنوية لوفاة أسينوي الثانية وإنشاء عبادة خاصة لها باسم الأهة فيلادلفوس.
وتتحدث المصادر كذلك عن حفل ديمتر (Demetria)، ويبدو أنه كان حفلاً إغريقيًا عامًا يحرص الإغريق على إقامته حيثما يعيشون، إذ يبين أنه كان يقام على الأقل في الإسكندرية والفيوم. وقد ورد في بردية مشهورة (Tapyrus Halensis) ذكر ثلاث حفلات كانت تقام في الإسكندرية وتؤلف المباريات الرياضية جزءًا منها. أما الحفل الأول فلا نعرف أمسه بسبب تمزق ذلك الجزء من الوثيقة الذي ورد فيه، لكن المؤرخين يرجحون أنه كان إجلالاً لذكرى الإسكندر المؤلة باعتباره مؤسس الإسكندرية. أم الحفل الثاني فكان الباسيليا (Basilca). ولما كان اسم هذا الحفل قد ورد في نقش يرجع إلى أواخر القرن الرابع ويسجل انتصار نيكوكلس (Nicocles) ابن أريستوكلس (Aristocles) في إحدى مباريات هذا الحفل، فإننا نعتقد أن بطلميوس الأول هو الذي أنشأ هذا الحفل تخليدًا لذكرى اتخاذه لقب ملك. أما الحفل الثالث فهو البطوليمايا (Ptolenaca) الذي أنشأه بطلميوس الثاني إجلالاً لأبيه.
وقد عثر في جزيرة نيكورجيا (Nicourgia) على نقش يتضمن القرار الذي أصدره مجلس عصبة الجزر ردًا على الدعوة التي وجهها إليها بطلميوس الثاني للاشتراك في الحفل الذي قرر إقامته في الإسكندرية على نمط الحفلات الأوليمبية إجلالاً لذكرى أبيه. ولاشك في أن الحفل المقصود هنا هو حفل البطوليميا، ولا في أن المراد بعبارة "على نمط الحفلات الأوليمبية" وإقامة هذا الحفل كل أربعة أعوام. ولما كان كالكسينوس في سياق وصف المهرجان المشهور قد أوصى من يريد مزيدًا من التفاصيل بالرجوع إلى سجلات الحفلات التي تقام كل أربع سنوات، وكان يتبين من الوصف أن هذا الحفل مثل الحفلات الأثينية الجامعة يقام بمناسبة ذكرى سنوية معينة ـ كانت في هذه الحالة ذكرى وفاة بطلميوس الأول ـ فإننا نعتقد أن المهرجان الذي وصفه كالكينوس يتصل بحفل البطوليمايا.
ولما كان حفل البطوليمايا يقام كل أربع سنوات، فإنه يبدو معقولاً أنه أقيم أول مرة بمناسبة مرور أربعة أعوام على وفاة بطلميوس الأول أي في عام 279 ق. م والمرة الثانية في عام 275 والثالثة في عام 271 والرابعة في عام 67 الخ..
وإزاء سيطرة أرسينوي الثانية على بطلميوس الثاني وبلاطه وسياسته منذ زواجها منه حوالي عام 279 وعدم ورود أية إشارة إليها في وصف المهرجان، فإننا نستبعد أن هذا الوصف يتصل بمهرجان أقيم بعد زواجها من بطلميوس الثاني. ولذلك نعتقد أن هذا المهرجان الذي وصفه كالكينوس كان بمناسبة إقامة حفل البطوليمايا لأول مرة. ويؤيد ذلك أن بطلميوس الثاني كان قد خرج عندئذ من الحرب الكارية مظفرًا، ومن ثم كانت الظروف موانية لإقامة مهرجان فخم يستعرض فيه قواته وثروته أمام شعبه وبعوث الدول الأجنبية. | |
|
bassant عضو ذهبي
المساهمات : 1520 تاريخ التسجيل : 11/12/2008 العمر : 36
| موضوع: رد: البطالمة وديانة الإغريق الأربعاء فبراير 18, 2009 9:56 pm | |
| وقد بدأ كاليكينوس وصفه الرائع، الذي حفظه أما أثينايوس (Athenaeus)، بوصف قاعة الولائم، وكانت على شكل سرادق مستطيل، شيدت بعض أعمدته على طراز مصري في شكل شجر النخيل. ولم يدخر جهدًا ولا مالاً في تجميل هذه القاعة وتزينها، فقد علقت حولها ستأئر مزركشة وجلود حيوانات مفترسة، وصفت على جانبيها مائة أريكة موشاة بالذهب، وفرشت أرضها بالطنافس الفارسية، ونثرت بالورود والأزهار، وزين المكان بأبدع ما أخرجه المبرزون من المثالثين والمصورين، وأجمل ما ابتكره أمهر الصناع من الملابس المزركشة بالذهب والدروع الموشاة بالذهب والفضة، ووضعت في مكان بارز من القاعة أريكة عرضت عليها آنية كثيرة من الذهب ومرصعة بالأحجار الكريمة.
ويحدثنا كاليكسينوس بأن المهرجان أقيم في مضمار السباق ودام من الصباح حتى الليل، ولذلك كان بتقدمه ذلك القسم من المهرجان الذي يمثل نجم الصباح، ويأتي في المؤخرة ما يمثل نجم المساء. وقد تبع نجم الصباح القسم الخاص بطلميوس سوتر وزوجة، ثم تلت ذلك أقسام أخرى، حصص كل منها لأحد الآلهة، وكان أحدها للإله ديونيسوس، وآخر للإسكندر الأكبر وسوتر المؤلهين، وآخر للإله زيوس وغيره من الآلهة.
وكان يصور كل قسم جمهرة من التماثيل والأشخاص، تحملهم عربات يتقدمها ويسير خلفها أعداد من النساء والرجال والأولاد، يمثل بعضهم مناظر من القصص الدينية الإغريقية، ويرتدي بعضهم الآخر أبهى الثياب، ويحملون أكاليل البرود أو آنية من الذهب أو الفضة أو البخور والعطور. وقد عرضت في المهرجان أنواع كثيرة من الحيوان والطيور النادرة، واشترك فيه 23.200 فارس و 57.600 رجل كاملي العدة ولعل القسم الذي يمثل عودة ديونيسوس مظفرًا من الهند كان أروع ما في المهرجان. ولا يتسع المجال هنا لإعطاء تفاصيل هذا المهرجان الفريد، الذي كلف الملك مايوازي أكثر من نصف مليون جنيه مصري، لكنه يكفينا أن نذكر أن الروح الذي كان يسوده كان إغريقيًا بحتًا، يغلب عليه طابع حفلات ديونيسوس.
إشادة شعراء القصر بالديانة الإغريقية:
ويؤيد ما نذهب إليه من احترام البطالمة للديانة الإغريقية إشادة شعراء القصر في عبدفيلادلفوس مثل ثيوكريتوس وكاليماخوس بهذه الديانة، إذ أنه من العسير أن نتصور إقادم هؤلاء الشعراء على أن ينهجوا هذا النهج، إذا لم يكن ولي نعمتهم الملك البطلمي قد أثبت إجلاله للديانة الإغريقية، وعنى بإظهار هذا الإجلال أمام الإغريق في مصر وخارج مصر. وقد أثبت فيلادلفوس إجلاله لآلهة الإغريق في صورة أخرى فإن المذهبين الذين أنشأهما لعبادة زوجه أرسينوي الثانية ولعبادة حظيته بيليستيخي أشبها هاتين السيدتين بالألهة الإغريقية أفرودبتي ويعزي إلى هذا الملك أو إلى زوجته أرسينوي الثانية إدخال عبادة آلهة جزيرة ساموتراقيا إلى مصر. وقد وجدت في هذه الجزيرة بقايا عظيمة للمعبد الذي أقامته أرسينوي لآلهتها. ولعل اهتمام أرسينوي بآلهة ساموتراقيا يرجع إلى أنها وجدت مأوى في تلك الجزيرة في خلال النوائب التي حلت بها ولاسيما بعد مقتل أبنيها.
الاهتمام بعبادة ديونيسوس:
ونجد دليلاً آخر على شدة تمسك البطالمة بالديانة الإغريقية في نص أدوليس، الذي مر بنا ذكره، ففي هذا النص الذي لم يشترك الكهنة المصريون في صياغة عباراته وأقيم في مكان لم يكن البطالمة مضطرون فيه إلى مراعاة الكهنة المصريين لا يبدو لنا بطلميوس الثالث بوصفه ابن رع، على نحو ما تتحدث نصوص الكهنة عن ملوك مصر، بل في ثوب بطل إغريقي من سلالة هرقل وديونيسوس. وبما أنه من المحتمل أن هذا النصر لا يرجع إلى تاريخ أقدم من عهد فيلوباتور، فإنه يرجح أن هذا الملك كان أول من ادعى بأن أسرة البطالمة تنحدر من ديونيسوس، لكن لاشك في أن أفراد أسرة البطالمة كانوا يوجهون عناية خاصة إلى هذا الإله قبل عصر فيلوباتور، فقد صور بطلميوس الثالث على نقوده محلي بمميزات هذا الإله. وعلى كل حال فإن ديونيسوس أصبح الإله الحارس للبطالمة منذ عهد بطلميوس الرابع فيلوباتور، الذي وجه عناية كبيرة إلى عبادة هذا الإله، وكانت له في العصر الهلينيسي منزلة سامية في قلوب الناس. وقد أراد فيلوباتور أن يجعل من ديونيسوس كبير آلهة الدولة، بمساواته بأعظم الآلهة، بما في ذلك إله اليهود، ولكننا سنرى أنه أخفق مع اليهود الذين أضطهدهم دون طائل.
ولاهتمام فيلوباتور بعبادة الإله الإغريقي ديونيسوس دلالة كبيرة، لأن القرائن تشير منذ عبد هذا الملك إلى زيادة عناية البطالمة بالتقرب إلى المصريين وخاصة عن طريق الديانة حتى كثيرين من المؤرخين يعتقدون أن فيلوباتور كان أول من توج من البطالمة على نهج الفراعنة القدماء. ولا يبعد أن فيلوباتور، وقد ظهر في ثوب فرعون مصري، أراد أن يثبت للإغريق أن ذلك لم ينسه أصله الإغريقي ولم يشعله عن عبادة الآلهة الإغريقية وربما كانت وراء سياسة فيلوباتور الدينية، التي رمت إلى إرضاء المصريين والإغريق على السواء، حكمة وزيره سوسيبوس الذي كان سياسيًا حاذقًا. وعندما شيد هذا الملك مركبًا ضخمًا تباهي القصور في عظمتها لم يحرص على أن يكون طراز البناء بوجه عام إغريقيًا فحسب، بل حرص كذلك على أن تحوى هيكلين أحدهما لديونيسوس والآخر لأفرودبتي. ومما تجدر ملاحظته أن بطلميوس الرابع وزوجه أرسينوي الثالثة صوراً على النقود التي سكت في عصرهما على شكل الإلهين الإغريقين أبولو وأرتميس (Artemis).
وعندما أنشئت الإسكندرية قسم سكانها الإغريق، كما كانت الحال في المدن الإغريقية، إلى قبائل وأحياء. وقد وصلت إلينا بعض أسماء القبائل والأحياء، وهي تشير بجلاء إلى إجلال البطالمة للآلهة الإغريقية. إننا لا نعرف إلا اسم قبيلتين من قبائل الإسكندرية في عهد البطالمة، وكانت إحدى هاتين القبيلتين تدعى ديونيسياس (Dionysias) نسبة إلى الإله ديونيسوس، والأخرى تدعى بطلميس. أما الأحياء فنعرف الكثير من أسمائها، وهي عادة مشتقة من أسماء أو صفات إله أو بطل إغريقي، كما سنرى عند الكلام عن مدينة الإسكندرية. | |
|