ثانياً: التعرف على واقع دور المعلم و التصورات الجديدة لأدوار المعلم في القرن الحادي و العشرون:
إن التعليم يتأثر باتجاهات العصر وبأهداف المجتمع الذي يتحمل مسئولية توجيهه، وهكذا المنهج و جميع عناصره و منها المعلم.فإن أدواره ومسئولياته وإعداده من أجل تحمل مسئولية التوجيه في هذا التعليم لابد من النظر إليها في ضوء التغيرات التي يشهدها المجتمع والتي تفسر ما يأخذ به من اتجاهات وما يقابله من تحديات ومسئوليات.
ووجهت الكثير من الدراسات اللوم الشديد للمعلم بصفته أحد الأسباب الرئيسية للأزمة التربوية، التي تعانى منها معظم مجتمعات العالم، وأحد العوائق الأساسية أمام حركة التجديد التربوي لتلبية عصر المعلومات، ولكن النظرة المنصفة تؤكد أن المعلم يمكن أن يكون هو مصدر الحل، وأن ثورة التجديد التربوي لا يمكن أن تنجح دون أن يكون على رأسها المعلم.فتكنولوجيا المعلومات لا تعنى التقليل من أهمية المعلم، أو الاستغناء عنه كما يتصور البعض بل تعنى في الحقيقة دوراً مختلفاً له، ولابد لهذا الدور أن يختلف باختلاف مهمة التربية، من تحصيل المعرفة إلى تنمية المهارات الأساسية وإكساب الطالب القدرة على أن يتعلم ذاتيا، فلم يعد المعلم هو الناقل للمعرفة والمصدر الوحيد لها ، بل الموجه المشارك لطلبته، في رحلة تعلمهم واكتشافهم المستمر ، لقد أصبحت مهنة المعلم مزيجاً من مهام القائد، ومدير المشروع البحثي، والناقد، والموجه.
و لا يمكن التغاضي عن سلطة المعلم المباشرة وغير المباشرة التي تظهر في أدواره التربوية و التعليمية كالمحافظة على تقاليد المجتمع، كوسيط في نقل التراث الثقافي من جيل إلى جيل، بل ومدى فاعلية سلطته في إحداث التغيير الاجتماعي بالفكر والمعرفة، بل أنه أداة الوصل بين عصر الأمس ومعرفته وعصر اليوم بما يحمله من تدفق معرفي هائل في حجم المعلومات وتقنياتها. و بالإضافة إلى الدور الرئيسي الذي يلعبه المعلم، فهو رائد اجتماعي يسهم في تطوير المجتمع وتقدمه عن طريق تربية الأطفال تربية صحيحة تتسم بحب الوطن والحفاظ عليه، وتسلح تلاميذه بطرق العمل الذاتي التي تمكنهم من متابعة اكتساب المعارف وتكوين القدرات والمهارات وغرس قيم العمل الجماعي في نفوسهم ( بشارة، 28 ).
والمعلم التقليدي ما يزال موجوداً في الأنظمة العربية التعليمية حتى الوقت الحالي، فهو غير مشارك في تخطيط المناهج الدراسية، غير مدرب على ممارسة النشاط المدرسي،و ليست لديه أدوات حديثة للتقويم الشامل لقدرات ومهارات التعلم ، و هذا المعلم تحكمه أفكار ومعتقدات تحتاج إلى تطوير ، فما يزال المعلم التقليدي يعاني من الكثافة العالية للتلاميذ داخل حجرات الدراسة، و الكم الهائل من المواد التعليمية، والمدة الزمنية القصيرة للحصة الدراسية ، و لذلك أصبح هذا المعلم في صورته التقليدية غير قادر على اتخاذ القرار التربوي السليم، فهو مجرد ملقن معنى بإيصال المعلومات إلى المتعلمين من الكتب المدرسية إلى عقل المتعلم بتبسيطها أو شرحها وتكرارها لتأكيدها واستظهارها.
وبذلك تتأكد حاجة النظام التربوي لتحقيق التوازن بين المهارة التربوية والمهارة الاجتماعية للمعلمين في محيط المدرسة، وذلك لتمكين المعلم من تحقيق توقعات الدور منه كتربوي متفهم للأبعاد التربوية لعملية التعلم، وقادر على استخدام الوسائل التربوية التي تمكنه من أداء دوره الوظيفي بمعدلات الأداء التربوي المطلوبة، ورفع مقدرته الاجتماعية من خلال تبنيه لأهداف النظام التربوي، والتشبع بالقيم المرتبطة بعملية التعلم( شتا، 32 ).
ولكي يواجه المعلم التحديات والمسئوليات الجديدة فإن عليه: أن يقوم بتدريب نفسه بنفسه، فالمعلم يجب أن يتعلم طوال حياته، وأن يدرب نفسه بنفسه باستمرار، وألا يعمل المعلم بمفرده، بل يجب أن يتعاون مع المعلمين الآخرين، بحيث يعملون كفريق واحد متجانس متعاون يتبادلون الخبرة فيما بينهم.
وفى ضوء التوقعات الجديدة لملامح المنهج الحديث، تتضح الحاجة إلى معلم جديد لمجتمع جديد ولأجيال جديدة، لينمى لدى المتعلم ( طالب هذا القرن) صفات شخصية وأنماطاً سلوكية جديدة. و الأدوار التربوية الخاصة بالمعلم في القرن الحديث تشمل ظهور أنماط وطرق جديدة تستخدم في التدريس و بدورها فرضت على المعلم دوراً جديداً ومهارات جديدة تتفق مع طبيعة المجتمع الذي انبثقت منه ومع فلسفته وأهدافه وقيمه.فإن المعلم اليوم لا يمكن أن يكون كمعلم الأمس يقف ليلقن التلاميذ المقررات منعزلاً عن زملائه المعلمين أو عن التيارات الفكرية والتكنولوجية التي تحيط به من خارج المجتمع، و قد أصبح المعلم هو المنظم والمنسق لبيئة التعلم بما فيها من موارد و موزع للعمل التعليمي، وكسر عادة التبعية عند التلاميذ وتشجيعهم على الاستقلال الفكري لمزيد من الخيال والإبداع.
ولذلك اتجه التفكير إلى تغيير بعض المفاهيم والنظر إلى أدوار المعلم بطريقة مختلفة. ومن بين هذه الأفكار أنه بدأت تختفي فكرة المعلم الموسوعي متعدد القدرات متكامل الصفات حيث أن هذا النموذج الموسوعي خيالي غير واقعي ، وبدأت الأنظار تتجه نحو تقنية جديدة في مجال التدريس تعرف بالتدريس على هيئة فريق، وكذلك اتجه التفكير في تخصيص مجموعة من المعاونين لمساعدة المعلم وتخفيف الأعباء عليه ، حيث تكون وظيفتهم القيام بمساعدة المعلم في الأعمال الإدارية وتحضير الأجهزة إلى غير ذلك من الأعمال التي كانت تحول دون قيام المعلم بعمله الرئيسي في التدريس ، حيث تشير بعض الدراسات أن هذه الأعمال تستغرق ثلث وقت المعلم.ونتوقع أن يكون معلمي مدرسة المستقبل مزيجاً متنوعاً يشمل علماء، وخبراء محتوى ومتخصصين في المعلومات الحديثة وقادة للجماعات ومحفزين.
وتتمثل أدوار المعلم في المنهج الحديث في :
1. إتقان مهارات التواصل والتعلم الذاتي.
2. امتلاك القدرة على التفكير الناقد.
3. التمكن من فهم علوم العصر وتقنياته المتطورة واكتساب مهارات تطبيقها فى العمل والإنتاج.
4. القدرة على عرض المادة العلمية بشكل مميز.
5. الإدارة الصفية الفاعلة وتهيئة بيئة صفية جيدة.
6. القدرة على استخدام التقويم المستمر والتغذية الراجعة أثناء التدريس.
وهذه القائمة من الأدوار تمثل الحد الأدنى المطلوب من معلم المنهج الحديث حتى نتمكن من تحسين نوعية المخرجات ( الحر، 110) و يرى الكثير من الباحثين و التربويين أن يتحول دور المعلم التقليدي من مجرد ملقن إلي:
· مرسل: فالمعلم العصري يقوم بتعليم تلاميذه المعارف والمفاهيم المتصلة بالمواد التعليمية باستخدام كافة فنون و قواعد الاتصال الحديثة ليحقق هدف العملية التربوية.
· مدرب و موجه: فالمعلم يجب أن يدرب تلاميذه على استخدام التقنيات الحديثة في تعلمهم، وتهيئة بيئة تعليمية جيدة لهم ، وأن يقدم لهم التوجيهات والإرشادات عندما يطلب منه 0
· نموذج و قدوة: فالمعلم يجب أن يكون مخطط جيد لاستخدام التقنيات الحديثة بنفسه حتى يحتذي به ويحاكيه تلاميذه في عمل الأشياء والمواد التي يقوم بتنفيذها لتلاميذه والتي تساعدهم وتمكنهم من المادة الدراسية ، و يكون قادراً على تعزيز تعلم تلاميذه.
· متخذ قرار و مسؤول: فيجب أن يكون المعلم قادراً علي اتخاذ القرار السليم، ولديه القدرة على الاتصال بالآخرين بهدف تسهيل عملية التعلم.
ثالثاً: التوصيات التي يجب علينا أن نعمل على تحقيقها في مؤسسات إعداد المعلم:
يجب عدم النظر إلى التدريس باعتباره مجرد نقل معلومات للتلاميذ. بل إن المجتمع الحديث و المنهج المعاصر بحاجة إلي معلمين قادرين على ضمان تعلم ناضج و فاعل للتلاميذ الذين يجيئون إلي المدرسة بمستويات مختلفة من المعرفة السابقة، وأنهم يتعلمون بطرق مختلفة بناءً على الفروق الفردية بينهم، فإن المعلمين في حاجة إلى أن يكونوا مدربين بصورة جيدة ليكونوا مخططين يعرفون قدراً كبيراً من المعرفة عن عملية التعلم ولديهم حصيلة كبيرة من استراتيجيات التدريس.
و من هنا يمكن تلخيص عدد من التوصيات التي يمكن استنتاجها لتفعيل دور المعلم في المناهج المعاصرة لتحقيق الأهداف المرجوة منه:
1. تحديد معايير علمية وتربوية وثقافية وصحية ملائمة لاختيار الطلاب المعلمين تمكن من ترغيبهم وتحفيزهم لتطوير ذاتهم وخبراتهم.
2. الاهتمام بالإعداد المسبق للمعلم في جميع مراحل التعليم وبخاصة في كليات التربية ولمدة كافية بحيث يكون التركيز على الجانب التدريبي العملي خلال فترة الدراسة.
3. توفير البرامج التربوية و التثقيفية الجيدة في مؤسسات إعداد المعلم و لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تحسين مستوى البحث والتجريب والتطبيق التربوي.
4. إدخال مقررات جديدة في المعلوماتية وطرائق استخدام التقنيات الحديثة في التعلم ضمن مناهج إعداد المعلمين.
5. تدريب المعلم على المهارات الفنية، فالتدريس أصبح فناً له مهاراته واستراتيجياته الخاصة والتي لابد وأن تتوفر في المعلم الجيد الذي يسعى لنقل المعرفة والتراث، ويساعد في عملية التنشئة الاجتماعية ويعد جيلاً مدرباً للعيش في القرن الجديد ، ومن غير هذه المهارات الفنية لا يستطيع المعلم أن يقوم بدوره.
6. تقديم محاضرات وندوات وورش عمل تدريبية بصورة دورية لكل العاملين في مجال التربية و التعليم.
المراجع :
1- أيوب ، السيد عيسي (1997):"الاستراتيجيات الحديثة ودور المعلم في العملية التربوية"، الكويت، مجلة مركز البحوث التربوية والمناهج، العدد(21) إبريل، ص ص 106 -111
2- الحر ، عبد العزيز(2001 ): "مدرسة المستقبل" ، الكويت:مكتب التربية العربية لدول الخليج.
3- الفار، إبراهيم عبد الوكيل ( 1998 ) : تربويات الحاسوب وتحديات مطلع القرن الحادي والعشرين، القاهرة ، دار الفكر العربي.
4- الفنتوخ،عبد القادر و السلطان، عبد العزيز(1999): "الإنترنت في التعليم : مشروع المدرسة الإلكترونية" ، مجلة رسالة الخليج العربي، العدد ( 71 ) ، ص ص 79 –115.
6- بشارة ، جبرائيل ( 1986 ) : "تكوين المعلم العربي والثورة العلمية التكنولوجية" ، بيروت المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع.
8- شتا ، السيد علي ( 1999 ): المدرس في مجتمع المستقبل ، القاهرة ، الإشعاع الفني.
9- شحاته، حسن و أبو عميرة، محبات ( 1994 ): المعلمون والمتعلمون ، أنماطهم وسلوكهم وأدوارهم ، القاهرة ، الدار العربية للكتاب.
11- عزيز ، نادي كمال ( 1999 ) : الإنترنت وتعليم وتعلم الرياضيات والكمبيوتر، الكويت، الفلاح للنشر والتوزيع