bassant عضو ذهبي
المساهمات : 1520 تاريخ التسجيل : 11/12/2008 العمر : 36
| موضوع: البدايات الأولى لفن النحت الروماني الجمعة مارس 06, 2009 6:45 pm | |
| ينسب الفن الروماني عامة لمدينة روما التي تقع على نهر التيبر في القسم الشمالي من إقليم اللاتيوم على مبعدة بضعة أميال من مصب النهر في البحر التيراني غرب شبه الجزيرة الإيطالية . لقد تأسست هذه المدينة من تجمع عدة قرى نشأت على تلال سبعة في نهاية الألف الثاني أو بدايات الألف الأخير ق.م. على غرار المدن الأخرى التي نشأت في إقليم اللاتيوم أو الأقاليم الأخرى التي تقع إلى شمال وجنوب هذا الإقليم .
تنسب الأساطير تأسيس مدينة روما إلى منتصف القرن الثامن ق.م. وبالتحديد في 753 ق.م. وكانت بداياتها متواضعة للغاية يشهد على ذلك البقايا الأثرية التي تركزت في مقابرها والتي انحصرت في بعض الأواني الهندسية وبعض الأواني المستوردة من إقليم أترويا الذي يقع إلى الشمال من إقليم اللاتيوم مثل أواني الـBucchero (أواني اترسكية تتميز بلونها الأسود لزيادة نسبة الحديد في الطينة المصنع منها هذه الأواني، كما تتميز بزخارفها المحفورة أو البارزة التي تتبع أرشيف الفن الإغريقي في عصر الاستشراق) وكذلك بعض القطع المستوردة أيضًا من أتروريا.
لقد مرت روما في تاريخها السياسي بمرحلة الحكم الملكي وهو نظام سياسي مرت به جميع المدن القديمة عند تحولها من قرى إلى مدن.
استمر نظام الحكم الملكي حتى عام 510 ق.م. حيث تحول النظام السياسي في روما إلى نظام الحكم الجمهوري. خضعت روما في أواخر العصر الملكي للسيطرة الأتروسكية ما يزيد عن نصف القرن، وبالرغم من تفوق الحضارة الأتروسكية، إلا أن روما لم تستفد من هذا التفوق الحضاري إذ لا يمتلك الرومان تماثيل حتى للعبادة ما يقرب من 170عامًا منذ تأسيس المدينة، فكما يذكر فارون وبلوتارخ ويسبيوس أن العبادة الرومانية لم تكن تتطلب هياكل أو معابد، إذ اقتصرت العبادات على بعض الطقوس البسيطة التي كانت تتم فوق المذابح المقامة في العراء والتي كان يستخدم لها بعض الأواني من ساموس، مع إطلاق البخور المحدود وبدون أن تتضمن هذه العبادات تماثيل للآلهة ذاتها.
في الفترة الأخيرة من العصر الملكي وبداية العصر الجمهوري في أوائل القرن الخامس ق.م. خضعت روما فنيا للتأثير الأتروسكي وظهر هذا التأثير في مجال اتماثيل حيث يشير بلينيوس (N.H. XXXV,158) إلى أن التماثيل في تلك الفترة كانت ذات طابع اتروسكي صرف ومعظمها كانت في التراكوتا خاصة بالنسبة لتماثيل الآلهة وزخارف المعابد، بالإضافة إلى تماثيل برونزية القليل منها للآهلة والأكثر للشخصيات التاريخية، أما المرمر فلم يستخدم في نحت التماثيل إلا في أواخر العصر الجمهوري في القرن الأول ق.م.، ولم يستخدم الذهب والفضة إلا في التماثيل الصغيرة الحجم وفي أمثلة قليلة للغاية، أما التماثيل المنحوتة من الأحجار المحلية فإنها كانت قليلة العدد وخشنة الصنع.
من أقدم مظاهر الفن في روما التماثيل الفخارية ذات الطابع الأتروسكي والتي ترجع إلى منتصف القرن السادس ق.م. تقريبًا عندما استقدم ملك روما الأتروسكي Tarquinius الفنان الأتروسكي Vulca من مدينة Veio لزخرفة معبد الكابيتول أول المعابد التي أقامها هذا الملك الأتروسكي لعبادة الإله جوبيتر حيث تشير هذه المصادر الكلاسيكية إلى أن هذا الفنان عمل للإله جوبيتر تمثالاً وآخر للـQuadraga (العربة التي يجرها أربعة جياد) من التراكوتا، كما تشير هذه المصادر الكلاسيكية إلى أن التأثير الأتروسكي لم ينته بانتهاء السيطرة الأتروسكية، إذا كان الرومان عند احتياجهم لإقامة تماثيل أو زخارف للمعابد كانوا يستقدمون الفنانين من منطقة أتروريا.
تضاعف التأثير الأتروسكي على مظاهر الفن في روما بفتوحات الرومان للمدن الأتروسكية خلال القرنين الرابع والثالث ق.م. ففي عام 396 ق.م. عندما تولى استولى الرومان على مدينة Veio الأتروسكية اهتموا بنقل تماثيل الآلهة كعابدين وليس كمغتصبين، وفي عام 380 ق.م. عندما احتل الرومان مدينة Praeneste الأتروسكية حملوا معهم تمثال للإله جوبيتر ونقلوه إلى معبد الكابيتول، أما في عام 264 ق.م. وعند فتح الرومان لمدينة Vulcini الأتروسكية فقد قاموا بنقل مائتين تمثال من التراكوتا مما ضاعف من الطابع الاتروسكي لمدينة روما.
لم تقتصر مادة التماثيل على الفخار فحسب، ولكن استخدام أيضًا البرونز في عمل هذه التماثيل التي استقدم لها الرومان فنانين إغريقي من المستعمرات اليونانية في جنوب إيطاليا. هذه التماثيل البرونزية كانت في أغلبها تماثيل تذكارية للشخصيات التاريخية الرومانية التي أرادت روما تخليد ذكراهم لأغراض سياسية ودعائية أمام الشعوب الإيطالية التي تتفوق حضاريًا على الرومان مثل الأتروسك والإغريق والكمبانيين، ولاشك أن أقدم هذه التماثيل التذكارية يرجع للقرن الرابع ق.م. عندما ظهرت أسطورة السبع ملوك الخاصة بنشأة روما، ثم تماثيل القناصل الرومان الذين أحرزوا الانتصارات لروما. من كل هذه التماثيل التذكارية لم يتبق لنا الآن أي تمثال وإن كان من المتوقع أن تكون هذه التماثيل خاضعة للتأثير الأتروسكي الذي كان سائدًا في تلك الفترة. بالإضافة لهذه التماثيل التذكارية استخدم البرونز أيضًا لعمل تماثيل الآلهة حيث يشير بلينيوس إلى أن أول هذه التماثيل البرونزية كان للإلهة Cerere (ديمتر عند اليونان)، بالإضافة إلى أربعة تماثيل للإلهة جوبيتر وآخران للإله أبولو، كما يشير ليفيوس إلى تمثال آخر لهرقل أقيم في عام 305 ق.م. من هذه المجموعة لم يتبق أيضًا أية تماثيل.
غنائم من الفنون اليونانية
إذا كانت روما قد خضعت خلال القرون السادس والخامس والرابع ق.م. للتأثير الأتروسكي، فإنه بدءًا من القرن الثالث ق.م. بدأ التأثير اليوناني على مظاهر الفن في روما يتزايد نتيجة لغزوات الرومان للمستعمرات اليونانية في جنوب إيطاليا ثم في بلاد اليونان ذاتها، مما أدى إلى تدفق الأعمال الفنية اليونانية على روما سواء التماثيل أو اللوحات المنحوتة، مما أثر تأثيرًا كبيرًا على تطور الذوق الفني للرومان وعلى تغيير نظرتهم للفن ذاته، فالاستيلاء على مدينة تارنتم في 272ق.م. وضع الرومان على اتصال مباشر مع أهم مركز هلينستي في جنوب إيطاليا، إلا أن استيلاء الرومان على مدينة سيراقوسة فتح عهدًا جديدًا بالنسبة للفن في روما إذ حمل مارشيللو معظم الأعمال الفنية الرائعة من أجل تجميل موكب النصر عند دخوله إلى مدينة روما، ولتجميل المدينة نفسها بهذه النفائس الفنية. في الواقع لم يكن لدى الرومان حتى هذه اللحظة أي شيء من الأشياء ذات المستوى الفني الراقي، إذ أن روما كانت مكدسة بالأسلحة ومزينة بأقواس النصر، لذلك أشاد الشعب الروماني بمارشيللو الذي أثرى المدينة بتلك الأشياء الممتعة، بالرغم من ظهور تيار في روما يندد بنقل هذه الأشياء الفنية والتماثيل إلى روما ممتدحًا القائد فابيوس ماكسيموس الذي غزا تارنتم واكتفى بسلب النقود وكل الأشياء الثمينة تاركًا التماثيل في مكانها حتى لا يصرف الرومان عن الحروب وفلاحة الأرض لمناقشة الأعمال الفنية اليونانية.
مع توالي فتوحات الرومان توالي تدفق الأعمال الفنية ففي عام 210 ق.م. عندما استولى الرومان على مدينة كابوا تدفقت على روما تماثيل برونزية ومرمرية، وعندما غزا الرومان قيليب ملك مقدونيا في 194 ق.م. حملوا معهم إلى روما تماثيل وأواني فاخرة من مقودونيا إلى روما، إلا أن فتوحات الرومان في آسيا الصغرى وضعت نهاية للتماثيل الخشبية والفخارية للآهلة الرومانية كما يشير إلى ذلك بلينيوس حيث استبدلت هذه التماثيل المستوردة الرائعة بالتماثيل المحلية الرديئة مما فتح الطريق للفن الهلينستي. انتصارات روما على انتيوخوس الثالث في عام 188 ق.م. أسفرت على حسب قول ليفيوس على الاستيلاء على 184 تمثالاً للآلهة من الأعمال الفنية الرائعة. توالى انتصارات الرومان جعل من الأشياء الثمينة أشياء عادية في الحياة الرومانية نظرًا لتدفق الفنانين والتماثيل إلى روما، وأيضًا رسومات كبار الفنانين الكلاسيكيين. توالت الفتوحات الرومانية وتوالي معها تدفق الأعمال الفنية اليونانية ولاشك أن العامل الأول الذي دفع الرومان لنقل التماثيل من المدن المهزومة إلى روما لم يكن في البداية للقيمة الفنية التي تحملها هذه التماثيل، وإنما فقط لحشد مواكب النصر، إلا أنه سرعان ما تكون لدى الرومان الرغبة في تقليد تلك الأعمال، ولم تكن تلك الرغبة قائمة على التقييم الحقيقي إلا أنها كانت على الأقل عارفة بتلك الأعمال، وبالرغم من أن تماثيل الآلهة المسلوبة من المدن الأخرى كانت توضع في المعابد، إلا أنها لم يكن ينظر إليها كناحية دينية وإنما كمعارض فنية.
بالإضافة إلى تلك المجموعة العامة سرعان ما تكون لدى الخاصة من الرومان مجموعات فنية أخرى، إلا أن التنظيم السياسي لحكم الولايات في عصر أوغسطس أدى إلى وضع نهاية لسلب المدن المهزومة وكذلك أعاد الكثير من الأعمال الفنية للمدن التي سلبت منها. على العموم أصبح لروما متحف كبير، وعن طريق الوثائق التاريخية يمكننا فهرسة كل الأعمال الفنية التي كانت موجودة بمدينة روما، كذلك عمل قائمة بأسماء الفنانين الهلينستيين المشهورين سواء كانوا نحاتين أو مصورين.
حقيقي أن تدفق هذه الأعمال أدى إلى خلق تيار معارض وكان أبرز زعماء هذا التيار كاتو الذي دعا للعودة إلى التماثيل الفخارية للآهلة الرومانية، وإلى الحد من تزين السيدات الرومانيات وتشبههن بالهلينسيّات، إلا أن المناخ الحضاري في روما في القرن الثاني ق.م. وضع نهاية لهذه المحاولات التي قام بها التيار المحافظ من الرومان، وذلك لتواجد فئة كبيرة من الرومان كانت قد تشبعت بالروح والحضارة اليونانية، وازدادت الصلة أكثر بين روما والعالم الخارجي بازدياد تدفق الفلاسفة والفنانين الإغريقي إلى روما، وبذلك وضعت الثقافة اليونانية أساس المدنية للروح الرومانية. | |
|