الخليفة المُعزٌ لدينْ الله الفاطمى ( 969م – 976م )
ثم تولى إبنه الخليفة الرابع وإسمه أبو تميم مَعَدٌ وأطلق عليه لقب " المعُز لدين الله الفاطمى " وذلك كان سنة 341هـ - 953م فكان أيام المعز لدين الله بداية مرحله جديدة فى تاريخ الفاطميين , فقد إمتاز بحسن إدراكه للأمور وتربى تربيه عاليه وكان له بلاغه نادرة فكان يرتجل الشعر العربى, وكان له درايه كبيرة بكثير من اللغات فقد كان يتكلم كل من اللغه البربرية والسودانية والإغريقية ( اليونانية ) كما قيل أنه تعلم اللغة الصٌقْلبية أيضاً وقد حرص على تعلم هذه اللغات ليتحدث بها مع عبيده وجنوده الذين جلبهم من شرقى أوربا وسائر الأقاليم , كما كان سياسياً كثير الدهاء كريماً حريصاً على العدل شديد التمسك بأهداب الدين وقواعده 0
وإتبع الخليفة المعز خطة آباؤه وأسلافه , فبدأ بتوطيد دعائم حكمه فى المغرب حتى دانت له جميع رؤساء القبائل المغربية وخضعت له مراكش بأكملها حتى شواطئ المحيط الأتلنتى ( الأطلنطى )
ووضع هدفه إحتلال مصر ودرس الأسباب التى أدت إلى فشل الحملات الحربية التى أرسلها أجداده لإحتلال مصر , فحفر الآبار وبنى أماكن إستراحة فى الطريق المؤدى إلى مصر 0
وكان يحكم مصر فى نفس الوقت الإخشيد فلما مات الإخشيد خلفة إبنه قاسم ولما كان قاسم صغير السن فقد حكم مصر وصيا حبشياً إسمه كافور حتى يبلغ قاسم الذى لقب بـ " بانوجور" السن القانونية حسب الشريعة الإسلامية ومات قاسم فى ظروف غامضة ومات أخيه أبوالحسن أيضاً بنفس الظروف الغامضة وإستقل كافور بالحكم إلا أن كافور لم يهنأ طويلاً بالحكم وفى نفس الوقت كان الخليفة العباسى فى بغداد منشغلاً بصد غارات القرامطة فلم يستطع مساعدة مصر ويقول الشيخ شمس الدين الذهبى فى تاريخه (1) "وطمع الفلاحون فى الجند وإمتنعوا عن وزن الخراج , فعند ذلك كتب أعيان مصر إلى المعز
لدين الله الفاطمى وكان فى بلاد الغرب ( المغرب) بأن يحضر للبلاد المصرية ويتسلم المدينة ويتولى عليها " فلما وقف المعز على هذه المكاتبات أرسل المعز أكبر قواده جوهر الصقلى المملوك الرومى بجيش قدم من المغرب كالجراد كان عدد أفراده مائه ألف مقاتل وأعدهم بافخر وأرقى الأسلحه فى ذلك الوقت ووضع المعز لدين الله تحت تصرف قائد جيشه جوهر مبلغ أربعة وعشرين مليون دينار فدخلوا مصر بلا قتال وفى زمن قصير إحتل جيشه مدينة الإسكندرية ثم الفيوم ثم زحف على الفسطاط وإستولى عليها ولم يلقى مقاومه تذكر بسبب تفتت الدولة الإخشيدية وإنقسامها إلى عدة أحزاب ولم يقف فى وجه الغازى إلا بقايا البشموريين الذين إنضموا إلى الأخشيدين وقد منع الإخشيدين المراكب فكان من نقل جنود جوهر الصقلى إلى الجانب الآخر ولكن كانت مياه الفيضان قليله فعرف رجال جوهر موضع المخاضة ( مكان جاف يمكن أن ينتقلوا عبره إلى البر الشرقى للنيل) وكان أمام بلدة شطانوف وعلم الإخشيدين بذلك وكان قائدهم رجلاً شجاعاً مقاتل إسمه فاتك وعسكره رجال أقوياء ولكن لم يتدربوا على الرمى بالنشاب – أما الجيش القادم من المغرب فكانت عساكرهم عراه ملتفين بأكياس من الصوف وكانوا إذا قاتلوا يجعلون أكيستهم على أيديهم ويقاتلوا بالسيوف والنشاب وكذلك الحراب – فأبادوا الإخشيدين – وكانت أعلامهم خرق مصبوغة عجيبة ملونة على أعمده من فضة فإذا رأى الجنود هذه الأعلام مرفوعه تثير همتهم ويحاربون بقوة علامه على النصر – أما الإخشيدين فإذا وضعوا الأعلام السوداء تكون علامة على إنهزامهم وإنسحابهم ورأى فاتك جنوده يهربون فنزل هو ومن معه من الجنود إلى أرض المعركه وشجع عساكره وقتل من يريد الهرب منهم إلا أنه إنهزم هو وعساكره وتبعوهم إلى بلبيس وأسروا قوادهم وكبلهم جوهر القائد الصقلى بالحديد وأرسلهم إلى مولاه المعز لدين الله ويقول الراهب القمص أنطونيوس الأنطونى (2) : " أن جوهر الصقلى سحق هذه الثورة بسرعة عجيبة وبطش بالإخشيدين بطشاً عنيفاً " أما الأهالى فقد مقتوا الإخشيديين ولما سقطت مصر فى أيديهم أصبحوا سادة العالم العربى الإسلامى فى ذلك الوقت "
وتحولت مصر من إحدى ولايات الخلافة الإسلامية إلى ولايه تابعة للخلافة ولكنها مستقله ذاتياً , ولأول مره أصبحت مصر مركز للحكم بفضل الفاطميين وبالتالى أوصلوها إلى مكانة ساطعة بين الدول (3)
عوده إسم البشموريين يظهر فى تاريخ مصر
أما ثورة البشمورين (4) ضد إحتلال الأسرة الفاطمية الإسلامية فقد قامت عندما حرضهم أمير إخشيدى إسمه تير (5) كان والياً على منطقة بشمور وكان يعرف شدة بأسهم فى الحروب فمنع جميع البشامرة من دفع الجوالى ( الضرائب) شجعهم على العصيان وخطب فيهم قائلاً :" ساعدونى وأنا أحمى بلادكم وأعفيكم من دفع الخراج " فتبعه جمع كبير - وبلغت أخبار هذا الأمير الإخشيدى المعز لدين الله عند وصوله مصر فأرسل حمله عسكرية لإخضاعه فلما رأو البشامرة كثرة عسكر المعز تشاوروا فيما بينهم وقالوا : " إذا إنهزمنا فسوف يبيدنا المعز وإذا إنتصرنا وساعدنا الأمير تير الإخشيدى على الوصول إلى الحكم لن نأمن على حياتنا منه " فتفرقوا كل واحد إلى موضعه فهرب الأمير تير وجنوده إلى دمياط وتبعه جيش المعز ولكنه فر فى مركب خارج مصر قاصداً فلسطين وعندما وصل يافا قبضوا عليه هناك ووضعوه بسقا سيرج لمده شهر حتى إنفصل جلده عن لحمه فسلخوا جلده وأصبح مثل زق ( وعاء) وملأوا جلده بالقش وصلبوه على خشبة .
ودخل جوهرالصقلى الفسطاط وقبض على زمام الأحكام بإسم مولاه وكعادة كل محتل يستعمر مصر هرقل ثم عمر بن العاص ثم العباسين ثم الفاطميين فإنهم جميعا فى بداية حكمهم يخففون الضرائب ويشرعون فى إصلاح شئون البلاد وحفر القنوات والترع فأصبح الفلاح يحرث ويزرع ويستغل أرضه فزاد المجصول وكثرت الثروات وحل الأمن بالبلاد 0
وبعث جوهر برسول إلى ملك النوبة وكان إسمه جرجس يذكرة بالجزية التى فرضت على أسلافة وعرض عليه إمكان الإعفاء من الجزية إن هو إعتنق الإسلام , فرد عليه الملك النوبى بإرسال المبلغ المطلوب (6) وكانت رسالة جوهر القائد لم تصادف إستحساناً أو قبولاً فى حكومة القسم الجنوبى من بلاد النوبة ولم يؤثر إرسال وفد من الرحاله بن سليم لإقناع أهل النوبه بلإسلام وعندما تسلم ملك النوبه كتاب جوهر أمر بعقد مجلساً من الأساقفة وعقلاء الأمة وأباح لأعضائة حرية البحث والمناقشة فى أمر هذا الكتاب وإنشغل هو بكتابة الرد أما الرد على كتاب جوهر فهذا نصة : " بعد السلام والتحيات .. ألخ – إننا ندعوكم
لإعتناق الدين المسيحى بدون إجبار أو شروط وأن أجدادى كانوا على الدوام يعاملون الغازيين للبلاد المصرية بكل إخلاص ومسالمة وإنى كنت أتأهب لعقد معاهدة مهمة معكم " وختم رسالته ببعض عبارات التودد الرقيقة ولم يذكر فيها شيئاً عن جزية الرقيق التى اشار إليها جوهر فى كتابه أما ابن سليم رئيس الوفد إعترض على رد الملك بل كتب كتاباً إلى الملك معدداً الغزوات والفتوحات بعد محمد صاحب الشريعة الإسلامبة وبينما كان بن سليم ومن معه مقيم فى بلاد النوبة حل عليهم عيد ألأضحى فدعى الملك رئيس الوفد وجماعة المسلمين وكان عددهم لا يزيد عن 60 نسمة فأقاموا الإحتفالات الدينية وقد ألفوا موكباً دينياً سار فى المدينة بين عزف الطبول النوبية وأصوات الأبواق وقد حاول بعض المقربين من الملك منع هذه المظاهرة الدينية فإنتهرهم الملك وزجرهم على تعصبهم القبيح ثم سافر الوفد وهم فى غاية الإرتياح وبذل رئيس الوفد المصرى كل ما فى وسعه ليقنع جوهر على عدم غزو السودان والإغاره على قبائله وبهذا أزاح ملك النوبة جرجس الشر عن بلاده من حسن معاملته لضيوفه وحرية الفكر والحكمة فعاشت الممالك المسيحية هناك فى أمن وسلام (7)
ولما إستتب الحكم لجوهر الصقلى بعد تنظيم الديوان قام بتخطيط مدينة شمالى الفسطاط نحو ميل من النيل بين الفسطاد وعين شمس فأحضر العمال الذين قاموا بالبناء فشاد القصور والدور الجميلة والحدائق الغناء وأحاطها بسور عال لحمايتها وسمى المدينة فى البدايه " المنصورية " ثم غيروا إسمها إلى مدينه " القاهرة " وموقعها الآن وسط مدينة القاهره الحالية , وأقاموا حولها سوراً من الطوب اللبن وهكذا لأول مره فى تاريخ الحكم الإسلامى فى مصر أن يأتى غزاه يهتمون بالبلاد وأقاموا مركزاً شيعياً لهم هو الجامع الأزهر الذى هو مفخره الفاطميين ومركزا علميا متقدماً له طابعه الخاص وما زال وفنحوا بذهبهم الرخاء فى مصر وفتحوا باب الرزق أمام العمال وأصحاب المواهب الخلاقة ثم وضع على رأس كل إدارة من مصالح الحكومة موظفين أحدهما مصرى والآخر مغربى حتى يكون هناك رقابة 0وعندما أكمل بنائها فى ثلاث سنين وتم بناء السور دعا مولاه المعز لدين الله الفاطمى ليجلس على كرسى ملكه الجديد فقدم من المغرب إلى القاهرة وسكن فيها لهذا تسمى مدينة القاهرة " قاهرة المعز لدين الله الفاطمى " فنزل الخليفة فى القصرين
القلاقل تواجه الفاطميين قبل وصول الخليفة الفاطمى
ولم تكن بلاد النوبه هى التى خضعت فقط للخليفة الفاطى ودفعت الجزية ولكن ما لبث أن دانت له مكة والمدينة – كما إعترف الوالى على شمال الشام الأمير الحمدانى بالسيادة على حلب , أما دمشق فقد كان أهلها شديدى الكره للشيعة منذ خلافة معاوية بن أبى سفيان فقاد جوهر حملة لإخضاعها فإحتلها ونشر عقيدة الشيعة بين أهلها كَرهاً
وبينما كان جوهرالصقلى ( كان جوهر عبداً يونانياً قدم هدية إلى المعز ومن هنا كنى بـ الرومى أو الصقلى (10) ) يدبر أمور مصر لصالح الفاطميين داهمه خطر كاد يقضى على الخلافة الفاطمية قبل توليها السلطة فى مصر سنة 360 هـ – 971 م ولما دانت دمشق للفاطمين عندما إستولوا علي المدينة فقد حدث أن زعيم القرامطة كان يأخذ جزية من دمشق فغضب لإنقطاع الجزية ولم يمنعه أن تكون عقيدة القرامطة والشيعة واحده وتواطئ زعماء دمشق معه فأغار على مدينة دمشق وأخرجها من أملاك الفاطميين وإستولى عليها ثم سار بجيشة إلى مصر وأفلح زعيم القرامطه وحلفائة من السوريين فى الوصول إلى مشارف القاهرة وحاصروها لمده شهرين كاملين وأخيراً إستطاع القائد المتمرس فى القتال جوهر أن يضرب هؤلاء الزاحفين فهُزمهم أمام القاهرة وفروا هاربين حتى أن فلولهم المنسحبه تخاصمت ودب بينها الشقاق .
وبعد إستباب الأمن السلام فى أرض مصر رأى المعز أنه قد حان الوقت لذهابه إلى القاهرة , فترك المغرب فى موكب حافل ومعه بنوه وإخوته وعشيرته وجثث أسلافه , ووصل إلى القاهرة سالماً سنة 362 هـ 973 م 0
وقالت ايريس حبيب المصرى المؤرخة (11) (عن وصول المعز لمصر : " أنه عنما أحس جوهر الصقلى أن السوريون يستجمعون قواهم ليعاودوا غزو مصر ( لإرجاعها إلى السنية ) فبعث إلى المعز يطلب إليه أن يحضر بنفسه للقاهرة التى أتم بنائها , وأن يتخذها عاصمة بدلاً من تونس لكى يكون على مقربه من الأقطار السورية التى لا يطمع حكامها فى الإنفصال عن مصر فحسب بل يراودهم الأمل فى أن يستولوا عليها أيضاً .. ورأى المعز الحكمة فى هذا الطلب فعمل به وحضر إلى مصر فى موكب حافل جمع بين وزرائه وقواد جيشه وجنوده , وقد سار بعض الجند خلفه وهم يحملون توابيت أسلافه الذين رأى أن تضمهم أرض مصر لإثبات سلالته الملكية وأصوله الوراثية (12) وعندما دخل المعز مدينة القاهرة فى شهر رمضان شك العرب المسلمين السنين فى نسب هذا الخليفة لأن مصر تدين بالسنية خلاف الفاطميين الذين يدينون بالعلويه ولغط الناس بأصله وفصله عند دخوله فمنهم من نسبه إلى النبى ومنهم من نسبه إلى أصل مجوسى وكانت الأغلبيه أنه من أصل مجوسى (13) فسأله أشراف مصر وكبارها فقالوا له : " إلى منٌ ينتسب أمير المؤمنين ؟ .. فقال : "
سنعقد مجلسا وندعوا فيه كل من يريد أن يعرف نسبنا ونسرده عليكم " وفى اليوم الذى حدده دعا كبار وشيوخ مصر إلى قصره فى مجلس عام وجلس معهم فلم يقنع النٌساُبة بصحة سلالة نسبه فسَل نصف سيفه وقال : " هذا نسبى" ثم نثر عليهم ذهباً وقال : " هذا حسبى ودليلى "
فقالوا : " سمعنا وأطعنا " (14)