علم الانسان ... نشأته وتطوره

يرتبط علم الإنسان بقضايا معقد وهي:

أولاً:
يرتبط بالمجتمع البدائي، ثانياً: يرتبط بالاستعمار، ثالثاً: يرتبط بنظرية
دارون، رابعاً: يربط بين تأخره عن الظهور كعلم مستقل وبين عدم استطاعة
الاختصاصين فيه تطوير مناهجه ونظرياته.
البدائية هي: تلك المراحل
الأولية في حياة الإنسان، والتي لم تكن فيها حضارة أو ثقافة أو نظام، وهي
فترة تعود إلى العصور السحيقة من تاريخ الإنسان والجنس البشري فالإنسان مر
في تاريخهِ الطويل بمراحل مختلفة فيها معاني البدائية والحضارة، ومثال ذلك
الحضارة الهندية والفارسية والفرعونية، وعندما يفقد المجتمع قدرته على
الإبداع إلى الفوضى والتوحش فإنه يمكن أن يوصف بالبدائية.
إرتباطه
بالاستعمار: كانت الدول المستعمرة تريد أن تعرف كل شيء عن تلك البلدان
التابعة لها سياسياً واقتصادياً، ولن يتسنى لها ذلك إلا عن طريق البحث
العلمي المنظم، فكان أن انطلق الباحثون -الإنجليز مثلاً- تحت إشراف ورعاية
من إدارة شؤون المستعمرات البريطانية، ينقلون صوراً عن تلك المجتمعات إلى
الحكومة البريطانية، فدرس الباحثون أحوال المجتمعات المختلفة التي تقع تحت
سيطرة الاستعمار ونقلوا عنها صوراً واقعية ساعدت تلك الحكومات المختلفة
على إحكام سيطرتها ونفوذها وليس من أجل تحسين أوضاعها كما يشاع..
لذا
ارتبط علم الإنسان بالمجتمعات التقليدية ارتباط خارجي وجد الباحثون أنفسهم
محصورين فيه، لكن بعد ذلك حدث أن الباحثين في هذا العلم بدأوا يختارون
مجتمع الدراسة وموضوعها دون أن يفرض عليهم الارتباط المذكور، ولعل هذه
تنفي عن علم الإنسان تهمة التبعية للاستعمار التي لا زالت تلقي ظلالاً من
الشك فيه عند البعض.
كيفية نشأة علم الإنسان: اعتمد الباحثون في علم
الأنسان على ما جمعه الرحالة والمبشرون والمستعمرون، وحتى التجار الذين
كانوا يجوبون أنحاء العالم في فتراتٍ مختلفة، ويجمعون معلومات تتضمن تاريخ
الشعوب وبعض عاداتهم وتقاليدهم وأساطيرهم الشعبية، وينبغي أن ننبه هنا إلى
أن بعض ما جمعه هؤلاء كان يحتوي على كثير من الخلط بين الحقيقة والخيال،
وأن كلاً منهم كان يعبر عن وجهة نظره أحياناً دون أن يكون موضوعياً أو أن
يهتم بالتأصيل والتحقق، غير أن الباحثين في علم الآثار كان لهم النصيب
الأكبر في تقديم المعلومات والبيانات التي تم الاعتماد عليها فيما بعد في
إعادة صياغة الصور الخاصة بالإنسان والمجتمعات الإنسانية على مر العصور،
وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأ عدد من الدارسين يعكفون على دراسة الهياكل
والبقايا العظمية التي تم العثور عليها في جهات مختلفة من أوروبا معتمدين
في هذا على التقدم الكبير الذي أحرزته الدراسات الجيولوجية وعلم الآثار
والحفريات، والتي كانت أولى نتائجها التأكيد على وجود الإنسان في أوروبا
منذ عصر سحيق.

أصل الإنسان.
المرحلة الأولى:
كانت منذ
ثلاثين مليون سنة، تمثلت بظهور نوع من الثديات التي لم يكن طول قاماتها
يتجاوز نصف متر، ولم يكن في أفواهها سوى نصف فك، وقد عثر عليها في القاهرة
بمنطقة الفيوم، مما يدل على أن أرض مصر القديمة قد تكون المهد الأول
للبشرية.
المرحلة الثانية:
ترجع إلى خمسة عشر مليون سنة، وتشمل
مناطق أفريقيا وآسيا وأوروبا، وتتميز بحجم الجمجمة الأكبر بكثير من حجم
جمجمة النموذج المصري، لكن مساحة الوجه أضيق وعدد الأسنان أقل، وقد عاشت
في الغابات، وتعتمد في غذائها على العشب.
المرحلة الثالثة:
وهي
النموذج الاسترالي، وقد ظهرت في أفريقيا منذ ستة ملايين عام واصطلح على
تسميته (ما قبل الإنسان) وقد احتفظ بملامح النموذج الثاني، وتميز عنه
بارتفاع حجم الجمجمة إلى (600) سم بدل (400)سم لكن مساحة الوجه ظلت ضيقة
وكان يمشي على رجليه.
والدليل القاطع على أنه يمشي على رجليه ما
اكتشفته عالمة الآثار البريطانية (ماري لوكاي) حيث عثرت في عام 1959م في
تنزانيا على بقايا عظمية للإنسان الاسترالي وقد وجدت في نفس المنطقة آثار
خطوات مزدوجة محفورة في رماد بركاني متحجر يعود عمره إلى أربعة ملايين عام.
تبين
أن النموذج الاسترالي بدأ -منذ ثلاثة ملايين عام- استعمال الحجارة لتوليد
الشرارة النارية، ويصطلح العلماء على المرحلة الاسترالية على (فجر
التاريخ).
المرحلة الرابعة:
تمثلت في ظهور (الإنسان الحاذق) قبل
مليونين ونصف المليون عام، وهو نسخة مطورة من الاسترالي يتميز عنه بأنه
أطول قامة وحجم الدماغ، كما أن قوامه أصبح عمودياً بعدما كان قوام
الاسترالي مائلاً إلى الإنحناء، كما تميز بقرض كل شيء سواء لحمياً أو
نباتياً، بفضل أسنانه الأقوى والأكثر عدداً.
ومع هذه السلالة دخلت
البشرية عهداً جديداً، إذ أن (الإنسان الحاذق) بدأ بتصنيع الأدوات اللازمة
لمختلف استعمالاته اليومية، وفي هذه المرحلة بدأ في التحول نحو المجتمع
الأسري حيث يقيم في الكوخ الواحد عشرين شخصاً.
يعد (هوموهابيلوس) الحاذق الأب الحقيقي لإنسان الأزمنة الحديثة، مما يعني أن عمر البشرية الحالية يرقى إلى مليونين ونصف المليون سنة.

الإثنولوجيا:
هي الفرع الذي يهتم بمسألة تصنيف الأنسان على أساس الخصائص الثقافية
والسلالية، وميزة الباحث الأثنولوجي أنه يهتم بدراسة ووصف ثقافة الإنسان
في كل زمان ومكان من العالم، ليس في المجتمعات القديمة فحسب بل في القرى
والمدن الحديثة.

نشأة علم الإنسان:
في الفترة ما بين 1865/1890م
تطور مجال الدراسات المقارنة للثقافات نتيجة زيادة المعلومات عن مختلف
شعوب الأرض ونتيجة لتطور علم الآثار الذي ساهم في تطور علم الإنسان، وكان
من أبرز علماء تلك الفترة (إدوارد تايلور) الذي نشر مؤلفه الهام في هذا
المجال (الثقافة البدائية) عام 1871م في بريطانيا، ثم (لويس مروجان) الذي
نشر كتابه بعنوان (المجتمع القديم) عام 1877م في أمريكا، وتلاهما (هنري
مين) في بريطانيا و (باخوفين) في ألمانيا، حيث كتبا عن تطور النظم
السياسية والقانون، ويبدو أن الهدف الذي سعى إليه هؤلاء وغيرهم من علماء
القرن التاسع عشر في مؤلفاتهِم ودراساتهم ينحصر في محاولة اكتشاف القوانين
السيكولوجية التي ينطوي عليها التاريخ البشري والتي تحدد مساره كما هو
واضح من كتاب (تايلور) الثقافية البدائية، وكتاب (مورجان) المجتمع القديم.
ومع
مطلع القرن العشرين بدأت تتضح ملامح الدراسات الأنثروبولوجية الحديثة
الفيزيقية والثقافية على السواء، حيث أصبحت الأنثروبولوجيا تخصصاً
أكاديمياً معترفاً به واصبحت مادتها تجمع عن طريق الباحثين المدربين
ميدانياً، وقد اتسع ميدان الأنثروبولوجيا اتساعاً كبيراً وأسهمت إسهاماً
بارزاً في إثراء العلوم الاجتماعية بصفة عامة، ولقد أسهمت في توضيح مفهوم
السلالة أو العنصر مما كان يسوده من خلط بين مفهوم اللغة والقومية
والثقافة في الماضي كما أوضحت مفهوم الثقافة الذي أصبح اليوم محور الفكر
المعاصر.

أول من إستخدمَ مُصطلح (الانثروبولوجيا الإجتماعية) هو
(جيمس فريزر) في محاضرةٍ ألقاها في جامعة ليفربول عام 1908م، حيث حدد
(فريزر) مجال دراسة الأنثروبولوجيا الاجتماعية في محاولة الكشف عن
القوانين العامة التي تحكم الظواهر الاجتماعية بحيث تفسر ماضي الإنسان
وتجعل من الممكن تحديد ملامح مستقبلية استناداً إلى القوانين الاجتماعية
العامة التي تنظم تاريخ الإنسان.
ويرى (فريزر) أن الأنثروبولوجيا
الاجتماعية دراسة من نوع خاص، لأنها دراسة تقوم على التجربة والفرض، ولذا
كانت الدراسة الحقلية عبارة عن محاولة تطبيق المنهج الاستقرائي وهو منهج
في أصله مرتبط بصلب مناهج العلوم الطبيعية.
تعريف (راد كليف براون)
للأنثربولوجيا الاجتماعية بأنها "دراسة طبيعة المجتمع الإنساني دراسة
منهجية منظمة تعتمد على مقارنة الأشكال المختلفة للمجتمعات الإنسانية
بالتركيز على الأشكال الأولية".
ولعل وجه الاختلاف بين علم الإنسان
والعلوم ذات العلاقة به يكمن في أن الأنثروبولوجيين خطو خطوات أبعد من تلك
التي تتضح في علم الاجتماع أو علم النفس مثلاً، وهي أنهم في دراسة الإنسان
يتعاملون معه كعنصر ثقافي حي، ومن خلال نظرة شاملة فالأنثروبولوجيا تبحث
دائماً أصل السلوك الإنساني الشامل دون التركيز على السلوك الفردي هذا
بالإضافة إلى تميزها بالمنهج والأدوات وفي الوقت الذي يبحث علم الاجتماع
عن العموميات أو يعتني بدراسة العموميات نجد أن الأنثروبولوجيا تعتني
بالحالات.
مفهوم الأنثروبولوجيا "أنه لا يمكن فهم سلوك أو ظاهرة فهماً
صحيحاً بعيداً عن الكل الذي يتضمن ذلك السلوك أو الظاهرة" وعلى هذا فإنها
تقدم تفسيراً متكاملاً للسلوك أو الظاهرة وتستعين من أجل ذلك بكثير من
التخصصات التي تنتمي إليها.
وتتميز الأنثروبولوجيا بطريقةٍ خاصة في
البحث وهذه الطريقة ترتكز أساساً على البحث الحقلي، وكذلك استخدام المنهج
المقارن، فإذا كانت العلوم الطبيعية يتوافر لها إمكانية إعادة التجربة
والحصول على الظروف المناسبة لها معملياً فإن الأنثروبولوجيين قد ابتدعوا
الطرق الحقلية لتحل محل التجارب المعملية، فعندما يريد الباحث
الأنثروبولوجي بحث نظرية معينة فإنه يبحث عن بعض المجتمعات التي تتوفر
فيها العوامل اللازمة لاختبار هذه النظرية كما يستعين في نفس الوقت
بالكتابات السابقة في هذا الموضوع وما تم التوصل إليه وهنا فإن الباحث
يلتزم بطرق معينة في البحث تقتضي الإقامة بمنطقة البحث واستخدام الملاحظة
بالمشاركة.

* إبراهيم الساعدي
كاتبٌ عراقي

حقيقى موضوع جيد ويمكن الاستفادة منه مشكووووووور