اقترنت مدينة النصر الجنوبية اضافة الى موقعها الجغرافي المتميز ومكانتها التجارية بكونها موطناً لاثنين من عباقرة العراق هما المفكر العراقي(عزيز السيد جاسم) والعالم النووي(رحيم عبد كتل)
هذه المدينة تجمع فيها التاريخ والجغرافية والحضارة والفن والادب وتميزت بكثرة آثارها حتى بدت مثل جزيرة عائمة فوق بحر من الاثار التي يعود تاريخها الى فجر الحضارة السومرية في حدود الالفين الرابع والثالث قبل الميلاد.
يقول الباحث في تاريخ ناحية النصر(سلمان السيد رشيد) ان البعض قد أخطأ ربما عن عمد في وضع كلمة(القرية) امام اسم(الغازية) وذلك لان الغازية وفي عملية التأسيس (البناء) قد ولدت كمدينة مختلفة في نمطها المعيشي وتخطيطها المدني وطبيعة الحياة المستقرة فيها عن القرية، وهذا الخطأ الشائع قد جاء على التصنيف الحكومي الذي يقسم المناطق السكانية ادارياً من القرية ثم الناحية والقضاء..الخ.
وبما ان (الغازية) لم تتحول الى وحدة ادارية(ناحية) حتى العام 1953 فقد استدلوا على ان(الغازية) وقبل ذلك التاريخ كانت قرية وهذا الرأي بالطبع غير معقول ويفتقر الى العلمية وذلك لان الحكومات كانت ومازالت تعتمد في حكمها وتقييمها على المدن معياراً يفتقر الى الدقة والنزاهة اولاً والبيروقراطية الادارية والاهمال مع التمييز ثانياً اذ ربما لو كان الموكب الذي مر امام قرية(سويج شلبان) للملك(فيصل الثاني) قد حدث قبل ذلك التاريخ لكانت(الغازية) قد تحولت ادارياً الى(ناحية) منذ ذلك الوقت.
الغريب ان العديد من ابناء المدينة الذين قد هاجروا الى بغداد وسطع نجمهم هناك في مجالات ثقافية وادبية وفنية كالاستاذ الشهيد عزيز السيد جاسم والفنان طالب القرغولي وغيرهم كانوا يصرون على وصف(الغازية) بالقرية مع نعتها(بالهادئة)و(الوديعة)و(الحالمة) وغيرها من الصفات التي كانوا يحاولون الايحاء بأنهم قد خرجوا من(رحم الفقر والمعاناة) وعاشوا في تلك القرى البائسة وذلك من اجل الترويج للعصامية والنجاح والاجتهاد رغم ان هجرتهم في زمن كانت المدينة قد اكتملت في توسعها وترسخت ملامحها حتى انها تحولت الى(ناحية) منذ اكثر من(15) عاماً.وتابع فقد اراد البعض ارجاع ضيفة الاسماء السابقة التي كانت تطلق على المدن والقرى انذاك وهي تقدم كلمة(سوق) او(سويج) امام هذا الاسم الجديد(الغازية) فبرز هذا الاسم(سوق الغازية او الغازي) او(سويج الغازية) عند اهالي الريف وفي احسن الاحوال يقال لها(الغازية) فقط.
تأسيس مدينة النصر
يقول سرحان الركابي أحد مثقفي المدينة: انه في حدود العام 1937 تقريباً أنشئت المدينة رسمياً بعدما نزح قسم من سكانها الى الصوب الغربي من المدينة وقد ازدهرت بشكل سريع ونمت كثيراً حتى اصبحت من المدن المهمة في فترة قصيرة حيث سميت في بادئ الامر(بالغازية) نسبة للملك غازي ملك العراق في ذلك الوقت ولايعرف سبب تسميتها باسم الملك غازي لكن تشير بعض الاراء والاحاديث الى مرور الملك عبر اراضيها ولقاء بعض اهلها ما دعاهم الى اطلاق هذه التسمية على اسمه تيمناً به لكن بعد ذلك تغير الى اسمها الحالي(النصر) بعد حصول ثورة 14 تموز 1958 بعد ان اختار السكان هذا الاسم ابتهاجاً لهذه الثورة ومن المعلوم ان سكان المدينة انذاك كانو منقسمين بين تيارات عدة وقد نمت بين اروقتها الكثير من التوجهات السياسية وكان لسكانها دور لاينكر في تغيير مسار الاحداث انذاك.
ويضيف الركابي ان من اهم مايحسب لهذه المدينة انها كانت موطناً لاهم عبقريين في تاريخ العراق الحديث فقد ولد فيها المفكر العراقي(عزيز السيد جاسم) الذي عرف بكتابه(علي سلطة الحق)و(محمد الحقيقة العظمى) وكتب ومؤلفات فكرية كثيرة وربما تعد روايته (الزهر الشقي) اول اثر ادبي تناول بعض احداث المدينة التي بقي تاريخها بعيداً عن اعين الموثقين.
اما العالم النووي(رحيم عبد كتل) هو اهم عالم عراقي نووي في تاريخ العراق وله دور بارز في انشاء منظمة الطاقة النووية العراقية وساهم بشكل كبير في بناء البرنامج النووي العراقي وتطويره الامر الذي اثار حسد الكثير من الاطراف أدت الى تعرض هذا العالم الى عملية اغتيال دنيئة للقضاء على الابداع والكفاءات العراقية حيث اتهمت اطراف متعددة في عملية الاغتيال.
اليشماغ العراقي
وتعد تماثيل(كوديا) التي يظهر بها مرتدياً اليشماغ الذي يمثل فيه اقدم نموذج ظهر فيه هذا الزي العراقي الاصيل الذي اعتاد لبسه العراقيون لكونه يعطي شيئاً من القدسية وشكلاً من اشكال التقاليد القبلية المتوارثة انطلاقاً من طقوس دينية قديمة وربما لهذا الامر علاقة بوجودهم على مقربة القبور التي انتجت طقوس اجتماعية تمارسها عامة الناس حيث يمثل اليشماغ فالاً حسناً حسب اعتقادهم وبما يحتويه من رسوم للاسماك التي تجلب الخير وللصيد الوفير ومن المعلوم ان سكان المنطقة الى الوقت الحاضر يعتزون بنسب اليشماغ كما هو ديدن سكان العراق الاصليين ربما هذا يعود ارتباطاتهم بأرثهم السومري القديم...
معركة البطنجة ومؤتمر المصيفي
لقد استمر تاريخ المدينة حافلاً بالاحداث المهمة فقد شهدت هذه المنطقة نزاعات وحروباً كثيرة ولعل اشهر الاحداث التي ارتبطت بهذه الارض معركة البطنجة ومؤتمر المصيفي لمقاومة القوات البريطانية.
حيث يشير الباحث التاريخي باسم محمد حبيب، الى ان معركة البطنجة التي دارت بين ابناء العشائر وقوات لاحتلال البريطاني للعراق انذاك كان لسكان المنطقة مشاركة فاعلة في هذه المعركة وثقتها المصادر المعاصرة كما شهدت المدينة حدثاً سياسياً مهماً وهو عقد مؤتمر(المصيفي) الذي ضم زعماء عشائر ووجهاء من اهل المنطقة كان من ابرزهم سيد عبد المهدي المنتفكي والد نائب رئيس الجمهورية العراقي الحالي الدكتور عادل عبد المهدي حيث شدد المجتمعون على مقاومة القوات البريطانية وعلى ان يكون لاهل المنطقة دور في صناعة القرار السياسي ويشير الباحث الى ان الاراء التي طرحت بشأن عزم المجتمعين من زعماء القبائل المقاومة هو شيئ مبالغ فيه كون المجتمعين قرروا في ذلك المؤتمر عدم مقاومة الوجود البريطاني، وكانت هناك مساع حثيثة بذلت من قبل زعماء القبائل انذاك لاجراء اتصالات مع القادة البريطانيين من اجل حفظ مصالح المجتمعين بدليل ان هذه المنطقة لم تشهد اية ثورة ضد البريطانيين وحتى احداث ثورة العشرين لم يثبت ان لهذه المنطقة دوراً فيها اما مااشيع عن المؤتمر من كونه اراد مقاومة الوجود البريطاني والعمل على محاربتهم فضلاً عن الحقيقة التاريخية اذ لم يكن المؤتمر الا من اجل تحسين صورة المجتمعين وخشية ان ينظر الى عملهم على انه ضد الشعارات السائدة انذاك.
أول ثورة للفقراء
وتابع حبيب: هذه المنطقة شهدت حصول اول ثورة للفقراء والاحرار في التاريخ حيث تشيرالنصوص التاريخية الى تمكن الفقراء والاحرار من تسلم السلطة في المدينة بعد انقلاب برلماني سلمي فجاء المصلح(اورو أنمكينا) الذي اصدر اقدم اعلان لحقوق الانسان عرفته البشرية الامر الذي اثار غضب الطبقة الغنية التي لم تقبل بذلك واعلنت حرباً شعواء ضد الفقراء والاحرار في لكش قادتها(أوما) خصم لكش القديم وانتهت بأنهيار هذه الثورة وسقوط سلالة لكش الاولى لكن هذه المدينة ازدهرت مرة اخرى في عهد(كوديا) الذي عرف ببساطته ولبسه لليشماغ العراقي.
حفر نهر الغراف
وتشير المصادر والمعلومات المتوفرة على ان احد ملوك لكش واسمه(أنتيما) قام بحفر نهر الغراف بجوار دويلة(لكش ) من اجل انهاء مشاكل الحدود مع دويلة(أوما) التي تسببت بنشوب واحدة من اطول الحروب في ذلك العصر دامت اكثر من مائة عام وبالتأكيد كان لهذه الحرب الطويلة نتائجها الخطيرة على اوضاع المدينتين وعلى اقتصادهما الذي يعتمد على الزراعة فكان هذا العمل الجبار الذي كان له دور في احياء منطقة كانت تعد من الصحارى ولو قارنا طول هذا النهر بالوسائل البسيطة المعتمدة في حفره لادركنا عظمة هذا الانجاز الذي ربما يضاهي قيمته بناء(الاهرامات) في مصر خصوصاً وان بناء الاهرامات جاء من اجل الملوك فيما جاء حفر نهر الغراف من اجل الناس. مدينة النصر الغارقة في الاهمال والنسيان طيلة فترة الحكم المباد البغيض تنفست الصعداء بعد سقوط الصنم وزوال الدكتاتوية، وشهدت حملات اعمار واسعة ومميزة لانقاذ ما يمكن انقاذه من بناها التحتية المدمرة.. حيث حدثنا(علي حسون) مدير بلدية النصر بالقول: ان دائرته دأبت منذ العام 2006 حملة اعمار واسعة لانتشال المدينة من الواقع المزري والمحزن الذي كانت تعيشه في ذلك الوقت رغم موقعها الجغرافي المتميز والمكانة التاريخية الكبيرة حيث خصصت الحكومة المحلية في عام 2006 نحو مليار و600 مليون دينار لتنفيذ مشاريع اكساء طرق ودفن المستنقعات التي كانت تحيط بمنازل المواطنين من كل جانب فضلاً عن انشاء طرق.
فيما خصص لها في العام 2007 مبلغ ثلاثة مليارات دينار تضمنت انشاء طرق فيما خصص لها في العام 2008 اكثر من 8 مليارات دينار توزعت لتنفيذ اعمال مجار بكلفة مليار دينار وانشاء طرق بكلفة 4 مليارات واكساء شوارع بمليار دينار ودفن مستنقعات بكلفة 150 مليون دينار وانشاء طرق ترابية وحصى خابط بكلفة مليار دينار وقوالب وارصفة جانبية بمليار دينار واضاف ان الية توزيع المشاريع بين المناطق والاحياء تكون وفق دراسة معدة للجدوى بالمناطق التي تحتاج الى خدمات فضلاً عن مراعاة النسب السكانية في كل منطقة مشيراً الى ان حملة الاعمار التي بدأت من العام 2006 وحتى هذه اللحظة وضعت لمسات جميلة لهذه المدينة التي بدت عليها لمحات الاعمار واضحة جلية عندما تقبل عليها.
مدت المدينة جذورها الى عمق هذه الارض الطيبة واستقر بها النوى على ضفاف نهر الغراف الاغر وظهرت بوادر النجاح والتقدم في الافق البعيد وانتقلت أنباء هذا التأسيس المجيد الى اسماع المدن المجاورة منها والبعيدة وانتشر في الارجاء عن هذه الولادة الشرعية لمدينة فتية سميت بـ(الغازية) خاصة بعد ان قامت جماعة(الاربعة) بحرق المراحل ولمساحات في البناء والتأسيس وعدم الاعتماد على النمط الاعتيادي في التطور التاريخي الذي يكون اساسه الركون الى الزمن البطيء والاقدار الهوجاء غير مأمونة.. فكان التأسيس لبناء مدينة ناشئة ترسخت في مفهومها المدني والحضري منذ ايام النشء والعبور